خطاب ياسر عرفات في الامم المتحدة في 1974
سيدي الرئيس ،،
أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة . وأشكر كل الأعضاء المحترمين في هيئة الأمم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال هذه الجمعية وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين .
إنها لمناسبة هامة أن يعود بحث قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة . وأننا نعتبر هذه الخطوة انتصار للمنظمة الدولية كما هو انتصار لقضية شعبنا . وإن ذلك يشكل مؤشراً جديداً على أن هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمم أمس ، ذلك لأن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس .
فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة وأصبحت تعكس بصورة نسبية أوضح إرادة المجموعة الدولية ، ومن ثم فقد أصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام .
وهذا ما بدأ يلمسه شعبنا وتلمسه شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، الأمر الذي أخذ يعلي مكانة هذه المنظمة الدولية في عيون شعبنا وعيون بقية الشعوب ، ويزيد من الآمال التي تعلقها شعوب العالم على مساهمة هيئة الأمم المتحدة في نصرة قضايا السلم والعدل والحرية والاستقلال ، وتشييد عالم خالٍ من الاستعمار والإمبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها بما فيها الصهيونية .
سيدي الرئيس ،،،
إننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية ، يطمح إلى أن يرى الأمم المظلومة الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير ، يطمح إلى أن يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على أساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وتأمين السيادة الوطنية .
وما زالت دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تواجه اعتداءات ضارية على نضالها من أجل تغير النظام الاقتصادي العالمي الحالي بنظام اقتصادي عالمي جديد أكثر معقولية ومنطقية ، وقد عبرت هذه البلدان عن ذلك في مؤتمر (( المواد الأولية والتنمية )) حيث لابد أن يوضع حد لعمليات النهب والاستغلال وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة وعرقلة جهودها من أجل التنمية والسيطرة على ثرواتها ورفع الحيف عن أسعار موادها الأولية .
وكذلك فإن هذه الدول ما زالت تواجه عراقيل أمام مطالبها العادلة المعبر عنها في مؤتمر البحار في كرا كاس ، ومؤتمر السكان ، ومؤتمر التغذية ، ولابد للهيئة الدولية من أن تقف بحزم إلى جانب النضال من أجل إحداث تغيرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي لأن ذلك وحده يتيح للشعوب المختلفة إمكانية التقدم بسرعة . ولابد لهذه الهيئة من أن تقف بحزم ضد القوى التي تحاول تحميل مسؤولية التضخم المالي على كاهل البلدان النامية ، خاصة البلدان المنتجة للبترول ، وأن تشجب التهديدات التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب مطالبها العادلة .
سيدي الرئيس ،،،
ما زال السباق على التسلح على أشده في العالم ، الأمر الذي يهدد العالم بضياع ثروته وتبديد جهوده على هذا السباق ، فضلاً عن إبقائه في خيار انفجارات مسلحة خطيرة . إن الحد من السباق على التسلح ، وصولاً إلى تدمير الأسلحة النووية وتخصيص ما يصرف من مبالغ طائلة على مجالات التقنيات العسكرية في ميدان تقدم العلوم وزيادة الإنتاج وتحقيق الرفاه للعالم . هذا ما تتوقع الشعوب إن تعمل هيئة الأمم المتحدة باتجاهه . وما زال الاضطراب على أشده في منطقتنا . فالكيان الصهيوني مثبت بالأراضي العربية التي احتلها ويتابع عدوانه علينا بجانب استعداداته العسكرية المحمومة بشن حرب عدوانية جديدة ستكون الخامسة كم سلسلة حروبه العدوانية ولنا أن نتحسب مع ما يصدر من إشارات عنه من أن تكون حرباً نووية تحمل الفناء والدمار .
سيدي الرئيس ،،،
إن العالم بحاجة إلى أقصى الجهود من أجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها بما فيها الصهيونية لأن هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق . أنه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان . إما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل أكثر من أن يبقى العالم معرضاً لأخطر الصراعات المسلحة ، للكوارث الاقتصادية والإنسانية والطبيعية .
سيدي الرئيس ،،،
رغم هذا الوضع المتأزم الذي يسود العالم برغم ما في عالمنا من قوى ظلام وتأخر فإن عالمنا اليوم يعيش أياماً مجيدة . أنه يشهد انهيار العالم القديم عالم الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها وأبرزها الصهيونية ويشهد الاتجاه التاريخي العظيم لشعوب العالم نحو انبثاق عالم جديد تنتصر فيه القضايا العادلة ، وأننا واثقون من انتصار هذه القضايا.
سيدس الرئيس ،،،
إن قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار الاضطهاد ، وإذا كانت الفرصة قد أُتيحت لي أن أعرضها أمامكم فإنني لن أنسى أن مثل هذه الفرصة يجب أن تتاح لكل حركات التحرر المناضلة ضد العنصرية والاستعمار . في تقرير مصيرها ، أدعوكم أن تعيروا قضاياهم ، كما قضيتنا ، من همومكم واهتمامكم الأولوية ذاتها مما يشكل مرتكزاً أساسياً لحماية السلم في العالم وتكريس عالم جديد تعيش الشعوب في ظلاله بعيداً عن الاضطهاد والظلم والخوف والاستغلال ، ولهذا فإنني سأعرض قضيتنا ضمن هذا الإطار وفي سبيل هذا الهدف .
وإننا حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي فإن ذلك تعبير في حد ذاته عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي مكملاً معززاً لنضالنا المسلح وتعبير عن تقديرنا للدور الذي يمكن للأُمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية ، بعد أن تغيرت بنيتها في صالح أماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها المؤسسة الدولية مسئولية خاصة .
إن شعبنا يتكلم وهو يتطلع إلى المستقبل أكثر مما هو مقيد بمآسي الماضي وأغلال الحاضر. وإذا كنا، ونحن نتحدث عن الحاضر نعود إلى الماضي فلأننا نريد أن نوضح بداية الطريق الذي نشقه إلى المستقبل المشرق مع كل شعوب العالم عامة ، وحركات التحرير خاصة. وإذا كنا نعود إلى جذور قضيتنا فأنه ما زال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا ويرتع في حقولنا ويقطف ثمار أشجارنا ويدعي أننا أشباح لا وجود لها ولا تراث ولا مستقبل. وأن هناك من كان يتصور، وإلى وقت قريب، وربما حتى الآن، أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، أو أن مشكلة الشرق الأوسط هي مشكلة خلاف على حدود بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني أو يتصور أن شعبنا يدعي حقوقاً ليست له ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع إلا الرغبة في تعكير السلام وإرهاب الآخرين . ولأن هناك بينكم وأعني الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من يمون عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير ويقف منا موقف العداء ويعمد إلى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الأمريكي وعلى حساب رفاهيته وعلى حساب الصداقة التي نتطلع إليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من أجل حريته ووحدة أرضه كل تقدير .
وأنني لانتهز هذه المناسبة لا توجه إلى الشعب الأمريكي وأُخاطبه من مكاني هنا أن يقف مع شعبنا الشجاع المناضل . أن يقف مع الحق والعدالة . أن يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال أمريكا وحريتها . ويتذكر أبراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين ويتذكر وصايا ويلسون الأربع عشرة والتي يتبناها شعبنا إيماناً بهذه المبادئ الإنسانية العظيمة.
وأتوجه إلى الشعب الأمريكي وأتساءل هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي . وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الأمريكي . . .
لماذا هذا الوجه المعادي . هل هو لصالح أمريكا . هل هو لصالح الجماهير الأمريكية . حتماً لا . وأرجو أن يتذكر الشعب الأمريكي أن صداقته مع أُمتنا العربية هي أهم وهي أبقى وهي أنفع .
سيدي الرئيس ،،،
إن شرحنا لجذور قضيتنا نابع من إيماننا بأن العودة إلى أُصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها . وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد أن عانت الكثير وعانت الشعوب معها من المحاولات تجاهل الأصول والقفز عليها أو إنكارها رضوخاً واستسلاماً للأمر الواقع .
ترجع جذور المشكلة الفلسطينية إلى أواخر القرن التاسع عشر أو بكلمات أُخرى إلى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستعمار والاستيطان وبداية انتقال إلى عصر الإمبريالية حيث بدأ التخطيط الصهيوني_ الاستعماري لغزو أرض فلسطين بمهاجرين من يهود أوُروبا كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لإفريقيا . في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاه الاستعمار القادمين من الغرب إلى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للاستيطان وإقامة المستعمرات وممارسة أشد أشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث . إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الإفريقي وكذلك في فلسطين .
وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون أفكار ((التمدن والتحضر)) لتبرير الغزو والنهب والعدوان في إفريقيا وغيرها . كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين